مرضى السرطان في فلسطين.. الفقر يغتال آمال الشفاء
مرضى السرطان في فلسطين.. الفقر يغتال آمال الشفاء
د. محمد أبو ريا: أعداد الوفيات بمرضى السرطان تزداد بشكل مطرد بسبب الواقع المُر وصعوبة التنقل
رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة: مرضى السرطان يعانون من قلة الإمكانيات ونقص الأدوية وندرة الكفاءات
مدير مركز غزة للسرطان: أدوية السرطان تشهد نقصًا يصل إلى 60%.. وعدد المرضى يتجاوز 18 ألفاً
مدير برنامج العون والأمل: فلسطين تفتقد الكشف المبكر عن مرض السرطان.. ولا بد من برنامج وطني متكامل ومجاني
«الصحة العالمية»: إسرائيل لم توافق خلال أغسطس على خروج 42% من المرضى الفلسطينيين للعلاج بالخارج
فلسطين- أحمد حرب
أعداد تتزايد.. ومصاعب تتلاحق.. وواقع جد خطير يبسط سدوله على مرضى السرطان في فلسطين التي تعاني من شح شديد في الأدوية، وفقر لا محدود في الإمكانيات الطبية، يزيد من آلام مرضى ذلك “القاتل"، ويُحمِّل أجسادهم النحيلة التي أنهكها المرض أثقالا لم يكونوا بالغيها في أي من الدول التي تتوافر بها أساسيات الحياة.
وتشهد فلسطين زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالسرطان إذ تضاعفت من 1073 حالة عام 2000، لتصل إلى 2536 حالة عام 2016، قبل أن تشهد قفزات في السنوات الخمس الأخيرة وصلت بعدد مرضى السرطان المسجلين -بحسب وزارة الصحة الفلسطينية- إلى 18 ألف مريض.
أنصاف إسماعيل، (45 عاما)، ناجية من سرطان الثدي تقول لـ«جسور بوست» إنه تم تشخيص إصابتها في عام 2014 عندما شعرت بكتلة في منطقة الصدر اليمنى، توجهت على إثرها للفحص ليتبين أنها كتلة سرطانية.
وتوضح أنصاف أن شقيقتيها أصيبت عام 2008 بالمرض نفسه، وتوفيت بعد 10 أشهر من إصابتها وهي بعمر الثلاثين، ومنذ هذه اللحظة “أصبح لدينا توعية بالمرض وتداعياته وعكفنا على الفحص الدوري له”.
أوجاع المرض
تروي أنصاف وهي أم لثلاث بنات حالتها النفسية والجسدية بعد إعلان إصابتها، وبداية تلقيها العلاج الكيماوي، قائلة: "أخذت 3 جرعات بعدها لم أستطع أن أكمل الباقي لأني لم أعد قادرة على السير والتحرك، لولا دعم عائلتي المستمر الذي دفعني لتناول الجرعة الرابعة، بعدها بشهرين أصبحت أتعافى جسديا، لكني لم أستطع تجاوز الأمر نفسيا".
وعبرت أنصاف عن حجم الآلام التي يعيشها المريض بعد تلقي العلاج الكيماوي بأنها أوجاع لا يمكن وصفها وهي المرة الأولى في حياتها التي تمر بهذه المعاناة، حيث تساقط شعرها بجانب الألم الشديد الذي كانت تشعر به في العظام.
وتضيف أنصاف أنه "منذ عام 2019 وحتى 2021 انقطعت عن تلقي العلاج الهرموني لثلاثة مرات نتيجة عدم توفره، مشددة على أن أبرز تحدٍ للمرضى في فلسطين هو ندرة الأدوية والبرتوكولات العلاجية في قطاع غزة والضفة الغربية.
ندرة الدواء
سهير أبو صقر، (49 عاما)، ناجية من السرطان الذي أصيبت به عام 2015، تقول: "اكتشفت إصابتي مبكرا وخضعت لثماني جلسات كيماوي و29 جلسة إشعاع حتى تعافيت بشكل كامل وأنظر إلى نفسي أفضل مما قبل، والآن أتناول المكملات الغذائية والأدوية المتوفرة لدي".
وعن نقص الأدوية في فلسطين قالت أبوصقر، إن لديها الآن ثلاث حبات من الدواء الهرموني تتناول كل يومين حبة واحدة بالمخالفة لإرشادات الأطباء التي تقتضي تناول حبة يوميا، وذلك لندرة توفر الدواء في المستشفيات الحكومية، وعدم قدرتها المالية على شرائه من الخارج، حيث يصل سعر العلبة الواحدة إلى 100 دولار.
18 ألف مريض
بدوره، وصف مدير مركز غزة للسرطان، الدكتور صبحي سكيك، واقع مرضى السرطان في فلسطين بالخطير والقاسي، مطالبا بأن تكون هناك جهود محلية ودولية لعلاج هؤلاء المرضى ودعمهم بالعلاجات الكيماوية والبيولوجية، وتوفير دعم مالي واقتصادي لهم، مع توفير العلاج الإشعاعي في وطنهم فلسطين.
وأوضح سكيك، لـ«جسور بوست»، أنه يوجد الآن داخل المركز أكثر من 9 آلاف ملف لمرضى السرطان، فضلا عن نحو 12 ألف مريض يتلقون العلاج خارج فلسطين، مشيرا إلى أن مرضى سرطان الأورام المسجلين بلغ 18 ألف مريض، بواقع 2500 مريض جديد كل عام، يتوفى منهم نحو 2000 مريض سنويا. بحسب الإحصاءات الدورية لوزارة الصحة الفلسطينية.
وقال إن أسباب انتشار مرض السرطان في فلسطين ترجع لتلوث الهواء والمياه والزراعة بفعل الحرب الدائرة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن نسبة مرضى سرطان الثدي شكلت 32% بالمئة من حالات السرطان المسجلة بين النساء في الضفة وقطاع غزة.
ونوه سكيك، إلى أن نسبة المرضى بالأورام السرطانية في تصاعد وهو أمر خطير رغم انتشار الوعي وتطور الإمكانيات التشخيصية، مبينا أن سرطان الرئتين هو السبب الرئيسي والأول للوفاة بين مرضى الأورام في فلسطين.
نقص الدواء
وأوضح د. سكيك أن وزارة الصحة تعاني من نقص في جميع الأدوية المخصصة لمرضى السرطان، يتراوح ما بين 40% إلى 60%، فضلا عن ارتفاع أسعار هذه الأدوية خاصة الكيماوية والإشعاعية بالشكل الذي يفوق القدرات الشرائية لغالبية المرضى.
وأشار إلى أنه لا يوجد في قطاع غزة سوى مركز واحد لعلاج أمراض السرطان وهو مركز غزة للسرطان داخل مستشفى الصداقة التركي– الفلسطيني، والذي يقدم الخدمات المخصصة لمرضى السرطان من خلال الإمكانيات والأجهزة التشخيصية المتوفرة.
ضعف الإمكانيات
من جانبه، قال رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، جميل سرحان، إن مرضى السرطان يعانون من قلة الإمكانيات ونقص الأدوية والعلاج وندرة الكفاءات العلمية، فعلى سبيل المثال يحتاج المرضى في غزة إلى مجموعة من الفحوصات والتي تتطلب تحويل المريض إلى الضفة الغربية أو إلى مصر، موضحا أن 60% من مرضى السرطان بغزة يتم منعهم من الدخول عبر حاجز إيريز الإسرائيلي للوصول إلى المستشفيات في الضفة أو إسرائيل لتلقي العلاج.
وأضاف سرحان لـ «جسور بوست»، أن هناك تأثيرات مباشرة لضعف الموارد الطبية والعلاجية في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما تسبب في الكثير من حالات الوفاة نتيجة عدم القدرة على المتابعة العلاجية والدوائية.
وأوضح أن وزارة الصحة الفلسطينية عاجزة عن تقديم أفضل الخدمات النموذجية والمتابعة لمرضى السرطان، منوها بـ“أننا أمام إشكالية تؤشر إلى انعدام الحق في الصحة بالنسبة لمرضى السرطان في فلسطين”.
ضعف التوعية
في السياق، أكدت مدير برنامج العون والأمل لمرضى السرطان في غزة، إيمان شنن، أن المعركة الأساسية هي توعية النساء بأهمية الفحص المبكر لسرطان الثدي، مؤكدة أنه بالرغم من وجود الحملات الإعلانية والشعارات التي تحث على الفحص المبكر، إلا أنه “لم نصل بعد إلى كشف مبكر للمرض”.
وأوضحت شنن لـ«جسور بوست»، أنه يجب توحيد الشعارات المرتبطة بشهر أكتوبر، وهو الشهر العالمي بالتوعية للكشف المبكر عن سرطان الثدي، مشيرة إلى أن برنامج العون والأمل يعمل مع مركز الحسين للسرطان في الأردن، لتقديم خدمات أفضل للمرضى الفلسطينيين في ظل نقص الخدمات والإشكاليات التي يواجهونها من أجل تلقي العلاج.
وطالبت بأن يكون هناك دعم عائلي ومجتمعي لمرضى السرطان، حيث إنه مرض يمكن الشفاء منه مع الرعاية الكافية وتوفر الموارد، مشددة على ضرورة وجود برنامج وطني متكامل ومجاني من الكشف إلى إجراء الفحوصات إلى المتابعة.
الكشف المبكر والعلاج
من جانبه، شدد مستشار الصحة العامة والأوبئة، الدكتور محمد أبو ريا، على أن عدد وفيات مرضى السرطان يزداد بشكل مطرد نتيجة الواقع الذي يعيشه المرضى من خلال نقص الإمكانيات العلاجية، والكشف المبكر لاكتشاف المرض، مبينا أنهما عاملان أساسيان في تجاوز المرض، وعدم توفرهما يزيد من الإصابة نتيجة الاكتشاف المتأخر.
وقال أبو ريا لـ«جسور بوست»: اليوم يعاني مرضى السرطان الأمَرَّين في التنقل لتلقي العلاج في الخارج بسبب منعهم من السفر عبر المعابر في كثير من الأحيان، مشيرا إلى أن ما ينقص المرضى الفلسطينيين هو تلقي العلاج بشكل كامل، وهو حق توفره لهم كل العهود والمواثيق الدولية، ويدحضه الواقع.
وأوضح أن مرضى السرطان في الضفة الغربية يتلقون العلاج بشكل أفضل نسبيا من نظرائهم في قطاع غزة، نتيجة حرية الحركة والتنقل والسفر إلى الأردن وتلقي العلاج في مستشفيات القدس.
معوقات كثيرة
وقال مدير برنامج المناصرة والحق في الصحة بمكتب منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة، الدكتور محمد لافي، إن مرضى السرطان يواجهون معوقات عدة في الوصول إلى الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها، حيث إن هناك نقصا مزمنا في الأدوية والكوادر الطبية المدربة والمعدات والإمدادات، وهو ما يؤدي إلى الاعتماد على تحويل المرضى لخارج غزة.
وأشار لافي في تصريحات لـ«جسور بوست» إلى أنه في شهر أغسطس الماضي لم توافق إسرائيل على خروج نحو 42% من المرضى لتلقي العلاج في الخارج.
وأكد أن "الصحة العالمية" تدعم وزارة الصحة الفلسطينية في توسيع نطاق الوقاية من السرطان وعلاجه من خلال تصميم استراتيجية وطنية لعلاج المرضى عبر توجيه الجهود من أجل بناء القدرات على المدى الطويل، مبينا أنه يتم الآن وضع خطة شاملة لتحسين وتوسيع خدمات المرضى.
وكشف لافي عن أن منظمة الصحة العالمية -وعبر مكتبها في غزة- تغطي ستة مجالات رئيسية منها الدعم الطارئ، وتعزيز قدرة التأهب والاستجابة للعاملين في المجال الصحي في المستشفيات والخطوط الأمامية مع الجمهور، بجانب تقديم الدعم الفني لتعزيز النظام الصحي والوقاية والعلاج والرعاية للأمراض غير المعدية، وتحسين خدمات الصحة النفسية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والدفاع عن الحق بالصحة والنهوض بعملية صنع القرار المسندة على بيانات في مجال الصحة.